الفصل 1: البداية

اكتشف أسرار وانغ وي وحدسه الخارق في الفصل الأول من رواية رحلة الإمبراطور مدمر الأقدار، حيث تهدد تشققات فضائية غامضة نسيج الكون! هل ستكون نهاية العالم؟
رواية رحلة الإمبراطور مدمر الأقدار

الفصل 1: البداية

23 مارس 2020، مدينة Z، تشينغهاي

كان شاب يسيرُ بخطواتٍ وئيدة بين زحام المدينة المُغبرة، تتهادى أنفاسه خلف الكمامة الطبية التي التصقت بملامحه كدرعٍ شفاف. لم تَخفَ بذلته الرصينة المُصمَّمة بدقة عن عين المُراقب رَشاقةَ جسده النحيل، رغم آثار التعب التي طَفَت على محياه كظلٍّ عابر. لم تكن وسامته من النوع الذي يخطف الألباب، لكن تناغمَ ملامحه الهادئة منحه سِحرَ القمر الخافت الذي يُريح البصر دون إبهار.  
لكن كل هذا لم يَكُن سوى إطارٍ لعينيه.  
تلك العينان السوداوان كقيعان الليالي - بلونٍ يشبه آلافَ الغرباء في الجمهورية - لكن مَن يتأملهما لثانية إضافية سيجدُ نفسَه يغوص في عالَمَين مُختلفين. كان بريقُهما الحادُّ يُشبه وميضَ سيفين مُتعاكسين، تُخفي حدّتهما وراء السواد إرادةً كالجبال الرواسي، وطموحًا جارفًا كشلالٍ يندفع من قمم السحاب. في عمق نظراته المُتوهجة كان هناك شيءٌ أشبه بشراعٍ عملاق يندفع نحو المجهول، مُحمَّلًا بأحلامٍ ثقيلة ووعودٍ لم تُنطق بعد.  
كان اسمُه "وانغ وي"...

تلك التسمية البسيطة التي حملت بين حروفها صدى أسطورةٍ لم تُكتَب فصولها بعد.  


عندما وصل إلى شقته ذات الثلاث غرف، علّق كمامته بعناية على الحامل بجانب الباب. من نظرة واحدة إلى الداخل، يمكن إدراك أن هذه الشقة تنتمي إلى الطبقة الراقية. لقد حقق هذا الشاب نجاحًا لا بأس به في مسيرته المهنية رغم صغر سنه.

بعد أن خلع بذلته بعناية وعلّقها على شمّاعة الحائط، انتعل نعله الخفيف واتجه نحو الحمام بخطواتٍ بطيئة، كأن جسده يحمل أثقال العالم على كتفيه. تحت تيار الماء الدافئ، بدأ التعب يتساقط منه قطرة قطرة، كأنه غبار يوم طويل متراكم على روحه قبل جسده.
"يا له من أسبوع..." همس بصوتٍ خافت، بينما كان الزفير الثقيل يهرب من صدره كأنه يحمل معه جزءًا من همومه. "المدير... كاد أن يجعلنا نفقد عقولنا!" أضاف وهو يمرر يديه على وجهه المبلل، كأنه يحاول مسح ذكريات الأسبوع المزعجة بعيدًا.  

بعد حمام طويل، بدأ في تحضير عشاءه. كان على قائمة اليوم حساء الميسو مع بضعة أطباق جانبية. وبينما كان الطعام يُطهى على النار، شغّل التلفاز وفتح حاسوبه المحمول. بمجرد إلقاء نظرة سريعة على شاشته، كان واضحًا أن وانغ وي من عشاق الروايات الإلكترونية.

في التلفاز، ظهرت مذيعة جميلة ترتدي بدلة رسمية أنيقة، تتحدث بحماسة ملحوظة، مما أضفى على الأخبار جوًا من التوتر والدراما.

"مرحبًا، مشاهدينا الأعزاء، أنا المراسلة تشن هوا، أقدم لكم أخبارًا عاجلة. وكالات الفضاء الدولية حول العالم اكتشفت ظاهرة كونية غريبة تنتشر عبر مجرات متعددة. وكما ترون خلفي في السماء، هناك ما يشبه تصدعات في الفضاء. معنا اليوم الأكاديمي تشن من معهد العلوم والتكنولوجيا الصيني ليشاركنا تحليله حول هذه الظاهرة"

ظهر رجل مسن ذو لحية وشعر أبيض، تنضح منه هالة علمية راقية. كان وانغ وي يراقب التلفاز باهتمام بينما كان يواصل الطبخ. أول ما لفت انتباهه هو الشبه الطفيف بين المراسلة والأكاديمي. لم يكن الأمر مستبعدًا أن يكونا من نفس العائلة، خاصة وأنهما يشتركان في الاسم العائلي.

أمسك الأكاديمي تشن الميكروفون وقال:

"بعد تحليل البيانات، توصلنا إلى فرضية تفيد بأن موجات طاقة هائلة تنتقل عبر الكون، مسببة اضطرابًا في الحقول الجاذبية للمجرات إلى درجة جعلت نسيج الفضاء ذاته يهتز"

ثم تابع الأكاديمي شرح نظريته مدعمةً بعدد من المفاهيم العلمية، وكان واضحًا من حماسته أنه متحمس للغاية، بل بدا أكثر نشاطًا من رجل في السبعينيات من عمره.

كان وانغ وي يتابع البث بتركيز شديد. لم يعرف السبب، لكنه شعر بأن أمرًا سيئًا على وشك الحدوث. لم يكن مجرد شعور عابر، فمنذ صغره، امتلك حدسًا خارقًا ساعده في تجاوز العديد من المواقف الخطيرة وكان له دور بارز في نجاحه المهني.

وانغ وي كان يتيمًا، تخلى عنه والداه منذ ولادته، فعاش حياته في دار للأيتام. أجبرته الظروف على النضوج مبكرًا، متقدمًا على أقرانه في الفهم والوعي. وفي دار الأيتام، كان يُعرف بلقب "طاغية الدراسة"، إذ حصل على أفضل الدرجات بين جميع الأطفال.

أول مرة ظهر فيها حدسه العجيب كانت عندما كان في الثامنة من عمره، حين جاء زوجان ثريان إلى دار الأيتام بحثًا عن طفل يتبنونه. كانا يرتديان ملابس فاخرة ويقودان سيارة قيمتها لا تقل عن مليونَي يوان. اصطف الأطفال واحدًا تلو الآخر، يرتدون أجمل ملابسهم ويحاولون الظهور بأقصى درجات البراءة والجاذبية، إلى أن وقع الاختيار على وانغ وي، وهو أمر لم يكن مفاجئًا نظرًا لكونه الأذكى بينهم.

ولكن، بمجرد أن تم اختياره، اجتاحه شعور مريع، كأن هاوية مظلمة ستبتلعه إذا غادر معهما. لم يعرف مصدر هذا الشعور، لكنه وثق به تمامًا. وللمرة الأولى، عصى أوامر مدير دار الأيتام ورفض التبني. في النهاية، تم اختيار ثلاثة أطفال آخرين بدلًا منه.

بعد شهر، اجتاحت أخبار صادمة وسائل الإعلام عن عصابة تتاجر بالأطفال وتبيعهم كعبيد. أثناء مشاهدته للتقرير، صُعق وانغ وي عندما رأى الزوجين اللذين كانا سيأخذانه ضمن المشتبه بهم الرئيسيين في القضية.

فيما بعد، تم فصل مدير دار الأيتام بسبب الفضيحة. لكن وانغ وي أدرك قيمة حدسه وبدأ يعتمد عليه في قراراته. وبعد عامين، استخدمه لاختيار والديه بالتبني. ورغم أنهما لم يكونا من الأثرياء، إلا أنهما كانا قادرين على تأمين حياة كريمة له. وكما توقع حدسه، بعد خمس سنوات فقط، ازدهرت أعمال والده بالتبني، ليصبح من أصحاب المليارات.

للأسف، مع ولادة ابنهم البيولوجي وزيادة ثروتهم، بدأت المشاكل بالتفاقم، لكنها لم تكن ذات تأثير حاسم في قصته… على الأقل ليس بعد.

مرة أخرى، كان حدسه ذلك الخيط الخفي الذي أنقذه من مصيرٍ مجهول. يعود ذلك إلى أيام الثانوية، حين كان طالبًا لامعًا، يلفت الأنظار بذكائه وهدوئه الذي يشبه بحيرةً صافية في يومٍ خريفي. لم يكن غريبًا أن تلتفت إليه إحدى الفتيات، التي كانت تُلقب بجمال المدرسة، كأنها شمسٌ تشرق فجأة في يوم غائم.  
لكن حين اعترفت له بمشاعرها، ووافق هو على بدء علاقةٍ بينهما، لم يكن يعلم أن قبوله هذا سيُشعل نار الحقد في قلب أحد معجبيها. ذلك الشخص، الذي رفض أن يراها مع غيره، قرر أن يدفع ثمن غروره بالدم.  
في ليلةٍ مظلمة، بينما كان "وانغ وي" يعود من دروس التقوية، أحسّ بذلك الوخز الغريب في أعماقه، ذلك الإحساس الذي لا يخطئ. قرر أن يغير طريقه المعتاد، متجنبًا الزقاق الضيق الذي اعتاد المرور منه. وبعد دقائق، سمع أصوات صراخ وضرباتٍ بعيدة... لقد كانوا هناك، مجموعة من البلطجية، ينتظرونه كفريسةٍ سهلة.  
لحسن حظه، كان حدسه مرة أخرى خيط النجاة الذي حماه من مصيرٍ لم يكن ليتخيله.

في ذلك اليوم، بينما كان وانغ وي يستعد ل
لذهاب إلى دروسه المسائية، اجتاحه نفس الشعور المخيف الذي اختبره سابقًا. بلا تردد، أوقف سيارة أجرة وعاد إلى المنزل، متذرعًا بمرض مفاجئ.

في صباح اليوم التالي، علم أن طالبًا آخر تعرض للضرب المبرح في نفس المكان الذي كان من المفترض أن يسلكه وانغ وي. كان ذلك الطالب يذهب إلى نفس دروس التقوية التي كان وانغ وي يحضرها. هل كان ذلك مجرد مصادفة؟ بالطبع لا.

مع مرور السنوات، أصبح حدسه أداته السرية لاتخاذ القرارات المهمة: أي جامعة يختار، أي أستاذ يقيم علاقة جيدة معه، أي زملاء العمل يمكن الوثوق بهم، وأي المشاريع تملك مستقبلًا واعدًا وأيها مجرد فقاعة.
بفضل هذا الحدس، ورغم أنه لم يتجاوز أواخر العشرينيات من عمره، كان في طريقه للحصول على ترقية لمنصب نائب مدير في إحدى شركات فورتشن 500.

أما الآن…
كان وانغ وي يحدّق في شاشة الأخبار، وعيناه تعكسان قلقًا عميقًا بينما راح يزن خياراته بعناية. في تلك اللحظات، كان العالم يرزح تحت وطأة الذعر، إذ راحت الشقوق الفضائية، التي بدت في البداية ضئيلة وغير ملحوظة، تتسع بوتيرة مروعة، كأن السماء نفسها توشك على التمزق.

ومع ازدياد حجم التصدعات، تفجّرت الفوضى في الشوارع، واجتاحت موجات الهلع المدن والبلدان. تساءل الناس، وأصواتهم ترتجف بين الخوف والذهول:
"هل هذه هي نهاية العالم؟"
المساهم في "أنفاس الراوي".

التعليقات