الفصل 307: ظلال الآل*هة ونوايا مغلفة بالإيمان
الفصل 307: ظلال الآل*هة ونوايا مغلفة بالإيمان
جلس لين يوان متربعًا فوق سريره، عاقدًا حاجبيه بتأملٍ عميق.
"شبه إل*ه..." همس بصوت منخفض.
في هذا العالم، يُعرف أصحاب القوة من المرتبة السابعة أيضًا باسم شبه الآل*هة.
في العالم الرئيسي، يتوجب على المتطورين من المرتبة السابعة أن يفتحوا عالماً داخليًا خاصًا بهم كي يتقدموا إلى المرتبة الثامنة. أما في هذا العالم، فشبه الآل*هة بحاجة إلى رفع مملكة آلهتهم الخاصة إلى مستوى الألوهية.
وذلك يتطلب قدرًا هائلًا من قوة الإيمان.
لهذا السبب، يخاطر هؤلاء شبه الآل*هة بكشف أمرهم من قبل الآل*هة الرئيسيين، ويقومون بنشر إيمانهم سرًا فوق هضبة الأمم.
فمن دون إيمانٍ كافٍ، لن يتمكنوا من أن يصبحوا آل*هة خالدة، وسرعان ما تبدأ أجسادهم وأرواحهم في التآكل والفناء.
بالطبع، هناك من يختار طريق الخضوع، إذ يرضخ بعض شبه الآل*هة لإل*ه رئيسي ويصبحون من أتباعه، يُعرفون باسم الآل*هة التابعين.
إلا أن الغالبية العظمى من شبه الآل*هة أكثر كبرياءً من أن يتخلوا عن ذواتهم. فالخضوع التام يعني التخلي عن كل شيء، حتى عن وعيهم الذاتي لصالح الإل*ه الرئيسي.
هؤلاء الكائنات، الذين شقوا طريقهم من الضعف إلى القوة، يأنفون من التضحية بما جاهدوا من أجله لقرون عديدة.
تنهد لين يوان، مفكرًا ببرود:
'ما الذي ينبغي عليّ فعله الآن؟'
لقد أصبح هدفًا لكنيسة أنشأها أحد شبه الآل*هة… وهذا أمرٌ بالغ الخطورة.
ربما كان من الممكن تقديم بلاغ مباشر إلى الإمبراطورية أو إلى كنيسة النور، لكن لا ضمان بأن يتم القضاء على ذلك الشبه إل*ه.
وإن نجا… فلن يتوانى عن الانتقام، ولن تصمد مقاطعة لونغشان أمام مجزرة يشنها شبه إل*ه.
أقوى شخص في لونغشان هو الفيكونت الأول، لونغشان الكبير، فارس من المرتبة الخامسة. ورغم أنه سيد في الإمبراطورية، إلا أنه لا يُقارَن بقوة كائن من المرتبة السابعة.
'يجب أن أعود إلى مقاطعة لونغشان.'
بعد لحظات من التفكير، اتخذ لين يوان قراره.
رغم ما تنعم به مدينة أنبو من ازدهارٍ وتجاراتٍ رائجة، إلا أنها تعج بأنواع البشر من كل المشارب. وبغياب القوة المطلقة، لا يُستحسن البقاء فيها.
أما مقاطعة لونغشان فهي الأرض التي منحها الإمبراطور لعائلته رسميًا، والكنيسة التابعة لشبه الإل*ه، والتي تتعرض للملاحقة في أنحاء الهضبة، لن تجرؤ على التصرف علنًا فيها.
خرج لين يوان من الغرفة، وغمرت أشعة الشمس الدافئة جسده. نادى بهدوء:
"داشان."
فما لبث أن تقدم رجل ضخم يبلغ طوله أكثر من ثلاثة أمتار، خطواته تهز الأرض، وصوته الجهوري يملأ المكان:
"يا سيدي الشاب، هل من أوامر؟"
كان داشان حارسه الشخصي، ومن ضمن أقوى عشرين شخصًا في مقاطعة لونغشان. تجري في عروقه دماء التنين.
ورغم أنه لا يزال في المرتبة الثالثة، إلا أن إطلاقه الكامل لقوته الدموية يجعله قادرًا على مواجهة فارس من المرتبة الرابعة لبعض الوقت.
لكن مشكلته الوحيدة تكمن في... قلة الذكاء.
"أريد العودة إلى مقاطعة لونغشان." قال لين يوان وهو ينظر إلى الجسد العملاق أمامه.
بدت على وجه داشان علامات الاستغراب. لم يكن معتادًا على مغادرة السيد الشاب مدينة أنبو بهذه السرعة. عادةً ما يقيم هناك لأشهر.
"هل كانت تلك الفتاة البارحة سيئة في خدمتها لك؟" تمتم داشان بضيق، ثم تابع محتجًا: "قلت لك إنها هزيلة ولا تصلح! سيدي، سأجلب لك نساءً أكثر امتلاءً، نساءً حقيقيات! نساءٌ يزيد خصر الواحدة منهن عن المتر، وسترى الفرق الحقيقي..."
كان يظن أن ميل لين يوان للفتيات النحيلات أمرٌ محزن، ويفوّت عليه لذة الحياة!
ضحك لين يوان في سره، ثم أجاب بجدية مختلطة بالكذب:
"الجد يريدني أن أعود."
لم يكن يرغب في التحدث عن تلك الثعلبة، لا سيما مع شخص بسيط التفكير مثل داشان، فقد يُفشي كل شيء دون قصد. وإن كانت بالفعل مرتبطة بكنيسة شبه الإل*ه، فإن أي تسريب قد يؤدي إلى عواقب وخيمة.
كل ما أراده لين يوان هو العودة بهدوء إلى مقر العائلة… وهناك يبدأ في استعادة قوته تدريجيًا. فمع مرور الوقت، لن يخشى كنيسة، ولا شبه الإل*ه، ولا حتى آل*هة بحر النور أو هاوية الظلام.
"الفيكونت؟!" بدا على وجه داشان الاحترام الفوري.
فهو لا يكن الاحترام إلا لقلة من الناس، وعلى رأسهم فيكونت لونغشان نفسه.
"فلننطلق فورًا." قالها بحزم.
"ممتاز." أومأ لين يوان بالموافقة.
كانت هذه الذريعة مناسبة جدًا. إذ لم يكن من الغريب على السيد الشاب أن يُستدعى فجأة إلى القصر، لا سيما مع تاريخه المعروف.
قاد لين يوان حراسه وغادر مدينة أنبو.
حتى نائب عمدة المدينة جاء لتوديعه شخصيًا.
"السيد الشاب لونغشان، تغادر بهذه السرعة؟ هل كان في ضيافتنا ما يزعجك؟" سأل العمدة وهو يبتسم، رأسه أصلع جزئيًا.
"شؤون عائلية." أجاب لين يوان باختصار، بنبرة تضج بالضيق، متقمصًا تمامًا شخصية "الشاب الفاسد المتعجرف".
"ما دامت شؤونًا عائلية، فنتمنى لك سفرًا آمنًا، سيدي. لقد أعددنا لك هدية صغيرة في زيارتك القادمة."
رغم أنه كان يحتقر لين يوان في داخله، إلا أن نائب العمدة لم يجرؤ على إظهار ذلك. فاسم عائلة لونغشان له ثقله، لا سيما وأن المدينة تقع على تخوم عدة مقاطعات نبيلة، وعليها الحفاظ على علاقات طيبة مع الجميع.
بينما كانت النقالة الفاخرة، التي يحملها سبعة أو ثمانية حرّاس، تتحرك بصوت هادر في اتجاه مقاطعة لونغشان، ظل نائب العمدة يراقبها بصمت.
لكن لم يكن هو الوحيد الذي راقب مغادرة لين يوان.
في جناحٍ قريب، وقفت المرأة المحجبة تتابع المشهد.
قالت الثعلبة الجميلة بجوارها بامتعاض:
"لماذا غادر لونغشان يوان فجأة؟ ذهب كل تعبنا سُدى!"
كانت خطتهن تقضي بسحب طاقة حياته شيئًا فشيئًا على مدى ثلاثة أشهر، حتى يسقط في اليوم الأخير موتًا بسبب الانغماس المفرط.
دون أي دليل أو أثر.
وبعد مضي شهرٍ كامل… يغادر فجأة؟
وحالما يعود إلى مقاطعته، ووسط ترفه المعروف، ستنهال عليه المنشطات والمقويات، ويستعيد ما سُلب منه.
لكن المرأة المحجبة ردّت بهدوءٍ وثقة:
"سيعود... لا تقلقي."
لم ترَ في الأمر شيئًا مريبًا. ذريعة عودته هي أوامر من جده، والظروف لم تكن لصالحهن هذه المرة فقط.
لكن سوء الحظ لا يدوم.
كانت تؤمن أن عودة لونغشان يوان إلى أنبو مسألة وقت، وعندها سيكتمل مخططهن.
وبعد أن يسقط، لن يبقى سوى انتظار موت الوريثين الأول والثاني طبيعيًا، ثم يكون الطريق مفتوحًا للهيمنة على المقاطعة، وتحويلها إلى أرض خصبة للإيمان... وربما التوسع إلى ما بعدها.
لونغشان… مدينة الظلال والقرارات
بعد عودته، التقى لين يوان والدي الجسد الأصلي.
"يوان، ما سبب عودتك المبكرة هذه المرة؟" سأله والده، لونغشان فَانغ، رجل في منتصف العمر، بنظرة تجمع بين الحيرة والدهشة.
ورغم أنه لم يكن يضع آمالًا كبيرة على ابنه، إلا أن عودته المبكرة من أنبو كانت غير معتادة.
فهو لم يسمع بأي أوامر من فيكونت لونغشان تستدعيه.
هل عاد من تلقاء نفسه؟
"هل في عودته المبكرة ما يثير الريبة؟"
تساءلت السيدة الجالسة بجانب لونغشان فانغ، وهي امرأة شابة الملامح، وقد رمقته بنظرة حادة.
ثم التفتت نحو ابنها بلطف وقالت:
"بُني، ما الذي تنوي فعله هذه المرة؟ أعلم أن مدينة لونغشان ليست حيوية كأنبو، لكنها ليست سيئة أيضًا، ستجد فيها ما يثير اهتمامك."
ألقى لين يوان نظرة على والديه، لكنه لم يُجب فورًا.
إرث لقب الفيكونت في عائلة لونغشان لم يكن يُورّث تلقائيًا من الأب إلى الابن، بل كان يتوقف على قرار الفيكونت الحاكم. فعندما وُلد لين يوان، كان فيكونت لونغشان قد بلغ المستوى الرابع في القوة، واعتبر ولادته نذير خير، دلالة على استمرار الإرث القوي للعائلة. لذا، تخطى والده واختاره كـ"الوريث الثالث".
إلا أن أحدًا لم يكن يتوقّع أن ينتهي الحال بلين يوان إلى شاب متهور، غارق في الملذات، غير مكترث بعبء الإرث أو طريق القوة.
قال أخيرًا بنبرة جادة:
"لقد عدتُ هذه المرة من أجل أمرٍ مهم."
رفع لونغشان فانغ حاجبيه بتساؤل:
"أمر مهم؟ هل وقعت في غرام فتاة ما؟"
قاطعتْه زوجته سريعًا، مبتسمة:
"دعك من هذا الكلام. بُني، قل لنا فقط ما تريد، وسندعمك دائمًا."
قال لين يوان بكل هدوء:
"أريد أن أبدأ في الزراعة والتدرّب."
كميراث للوريث الثالث لعائلة لونغشان، فإن رغبته في التدرّب تعني أن كافة الموارد المتراكمة للعائلة ستكون متاحة له. لهذا عبّر عن رغبته علنًا، فإخفاءها والعمل في الظل لإبهار الجميع لاحقًا سيكون مضنيًا ويستغرق وقتًا طويلًا.
"الزراعة؟"
تبادل والداه نظراتٍ متفاجئة.
لقد تصوّرا أنه سيطلب أشياء عجيبة أو متطرّفة، لكن لم يتوقّعا أبدًا أن تكون رغبته هي الزراعة.
فبالنسبة لهما، سماع كلمة "زراعة" من فم لين يوان، بدا كأمرٍ لا يُصدّق.
سأله لونغشان فانغ بتمعّن:
"لماذا هذا التحوّل المفاجئ نحو الزراعة؟"
أجاب لين يوان بنبرة هادئة ولكن حازمة:
"لأن ما أعيشه الآن بلا معنى. كم من الوقت يمكنني أن أستمتع بالحياة؟ مئة سنة؟ مئتين على الأكثر؟ ثم ماذا؟ أنتظر الموت؟
أما الزراعة فمختلفة. بلوغ رتبة الفارس العظيم من المستوى الخامس يمنحني عمراً مديداً، ويغير جوهر الحياة ذاتها. هذا ما أريد تحقيقه."
كان تفسيره جاهزًا، فألقاه بكل ثقة.
قال لونغشان فـانغ بعد تفكيرٍ قصير:
"حسنًا... سأخبر البطريرك برغبتك. أتمنى فقط ألا تكون مجرد نزوة عابرة."
في الحقيقة، شعر لونغشان فانغ برضا داخلي.
كلمات لين يوان أوضحت شيئًا واحدًا: لقد ملّ اللهو واللعب.
الرغبة في الخلود أمر بشري طبيعي، ومع أن بلوغ رتبة الفارس العظيم ليس بالأمر السهل، إلا أن التوجه نحو الزراعة يُعد تحوّلاً إيجابيًا.
ورغم تشكّكه في إمكانيات ابنه، خصوصًا بعد ما أضعفه اللهو، إلا أن السعي نحو القوة كان أمراً محموداً.
قالت الأم بقلق:
"الزراعة أمر شاق يا بُني..."
ابتسم لين يوان بهدوء:
"لا بأس... أريد أن أحاول."
في وقت لاحق من ذلك اليوم
في الساحة السفلية لتدريبات عائلة لونغشان، وهي مساحة شاسعة تمتد لمئات الأميال، خُصّصت للعزلة والتدرّب.
جلس لين يوان متربعًا قبالة شيخٍ مُسنّ، بشعرٍ أبيض ولحية طويلة، يفيض منه هدوء الظاهر، ويخفي قوة قادرة على قلب الجبال.
قال الشيخ بنبرة ثابتة:
"الزراعة وبلوغ مرتبة الفارس ليستا بالأمر السهل."
كان أحد الفرسان القلائل في العائلة الذين بلغوا المستوى الرابع. فمنذ تأسيسها على يد الفيكونت الأول قبل ألفي عام، كان الوصول إلى رتبة الفارس العظيم من المستوى الخامس نادرًا، بل كانت العائلة في العادة تعتمد على إرث الفيكونت الأول للبقاء.
قال لين يوان بثقة:
"أنا مدرك لذلك."
أومأ الشيخ، وأخرج شيئَين: كتابًا، وثمرة برتقالية اللون.
قال:
"هذا هو دليل الزراعة الكامل لعائلة لونغشان، وهذه ثمرة لونغشان، غنية بالطاقة.
كل فرد من العائلة يجب أن يتعلّم هذا الدليل بمفرده."
ثم أردف:
"أمامك شهرٌ واحد. إن تمكّنت خلاله من الإحساس بـ الطاقة، فهذا يعني أن لديك القدرة على مواصلة الزراعة."
سأله لين يوان:
"وكيف سأعرف أنني قد شعرتُ بالطاقة؟"
أجاب الشيخ بهدوء:
"ستشعر بها بنفسك، إنها إحساس لا يُخطئ."
كان يستعدّ ليشرح له بالتفصيل كيفية الإحساس بالطاقة، وهو أمرٌ لم يحظَ به معظم أبناء العائلة. لكن باعتبار لين يوان الوريث الثالث، فإنه يحظى بمعاملة خاصة، ومنها هذا الشرح المفصّل.
غير أن المفاجأة وقعت قبل أن يبدأ الشرح...
فقد نظر لين يوان إلى كتاب الزراعة، ثم أغلق عينيه وأعادهما لفتحهما قائلاً بهدوء:
"لقد شعرتُ بالطاقة بالفعل."
نظر إليه الشيخ بذهول، وقد ثبت نظره عليه مطولًا.
في عمق قصر عائلة لونغشان
كان الفيكونت الحالي يمسك رأسه متعبًا.
بصفته الحاكم الأعلى لإقليم لونغشان، كان غارقًا في مهام لا حصر لها، من التنسيق مع أقاليم النبلاء الأخرى إلى معالجة شكاوى الرعية.
تمتم قائلاً:
"أتساءل كيف سار الأمر مع يوان..."
كان قد أوكل فارسًا من المستوى الرابع لتوجيهه، حسبما أخبره لونغشان فـانغ. لا بد أنه قد أنهى المهمة الآن.
لكن قبل أن يُكمل تفكيره، دخل شيخ عجوز مسرعًا، تتملكه الدهشة:
"سيدي البطريرك! سيدي البطريرك!"
رفع الفيكونت بصره، وقد أشرق وجهه قليلًا، غير أن تعابير الشيخ المذعور بثّت فيه شيئًا من القلق.
هل يا ترى... فشل يوان فشلًا ذريعًا في الزراعة؟
هل أغضب المدرّب لدرجةٍ لا تُغتفر؟
الجواب لا شك أنه سيُصدمه...
التعليقات
جارِ تحميل التعليقات...